فصل: مطلب الصعق وتحريم النظر في كتب القوم لغيرهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب إشارات القوم في الرؤية:

وقد اختلف المفسرون والعلماء بأن موسى عليه السلام هل رأى ربه بعد هذا الطلب أم لا؟ فذهب الأكثر إلى عدم الرؤية لا قبل الصعق ولا بعده، وقال الشيخ الأكبر إنه رآه بعد الصعق، لأنه كان موتا، أخذا من قوله تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} الآية 68 من سورة الزمر في ج 2، أي أنه حين صعق مات فرأى ربه وسأله عما جاء في الآية وأجابه بما جاء فيها، ووافقه على هذا، القطب الرازي.
أخرج الحاكم والترمذي في نوادر الأصول وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم هذه الآية {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} فقال: قال اللّه يا موسى إنه لن يراني حيّ إلا مات ولا يابس إلا تدهده، ولا رطب إلا تفرق، وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسامهم.
وجاء في الخبر الذي رواه أبو الشيخ عن ابن عباس: يا موسى إنه لا يراني أحد فيحيا، قال موسى رب ان أراك ثم أموت أحب إلي من ألا أراك ثم أحيا.
وجاء في باب الإشارات: {قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} قال هيهات ذلك وأين الثريا من الثرى ومن يد المتناول أنت بعد في بعد الاثنينية وحجاب جبل الانانية، فإذا أردت ذلك فخل نفسك وأتني، فهان عليه الفناء في جانب الرؤية للمحبوب ولم يعز لديه كل شيء إذا رأى عزة المطلوب، فبذل وجوده وأعطاه موجوده، فتجلى ربه لجبل أنانيته ثم منّ عليه برؤيته، وكان وما كان وأشرقت الأرض بنور ربها وطغى المصباح إذ طلع الصباح وصدح هزار الانس في رياض القدس ينعم.
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا ** سر أرقّ من النسيم إذا سرى

وأباح طرفي نظرة أمّلتها ** فغدوت معروفا وكنت منكرا

فدهشت بين جماله وجلاله ** وغدا لسان الحال عني مخبرا

وقد أبدع ابن الفارض في تائيته الكبرى فمن شاقه البحث فليراجعها، ففيها ما تقرّ به العين ويشرح الصدر وترتاح له الجوارح، وإن كتب الصوفية العارفين كالرسالة القشيرية والأبريز والإنسان الكامل وغيرها مما تقدم ذكره في المقدمة ملأى من هذا، فمن أراد الوصول إلى حضرة القبول، فليخل نفسه ويتوجه بكلية قلبه ولبه إلى ربه، وإلّا لا وصول ولا قبول.
قال عيسى عليه السلام: لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، ولن يلج ملكوت السموات إلّا من ولد مرتين.
هذا، وإن السادة الصوفية قالوا بصحة الصعق الذي يحصل لبعضهم عند سماع آية رغبة أو رهبة أو ما في معناهما من هذا، كما أشرنا إليه في تفسير الآية 14 من سورة المزمل المارة.
وأرى أن لا يعترض عليهم في ذلك كما لا يعترض على ما جاء في كتبهم من عبارات قصر الفهم عن إدراك معناها ووقف العقل عن تناول مغزاها.

.مطلب الصعق وتحريم النظر في كتب القوم لغيرهم:

فقد جاء في ص 294 في الجزء الثالث من حاشية الدر المختار لابن عابدين ما نصه:
نحن قوم يحرم النظر في كتبنا وذلك لأنهم تواطأوا على ألفاظ اصطلحوا عليها فيما بينهم وأرادوا بها غير معناها المتعارف، فمن حملها على معناها الظاهر فقد كفر.
وقد سئل بعضهم عن هذا فأجابه بما نصه: الغيرة على أن يدعي طريقنا من لا يحسنه ويدخل فيه من ليس من أهله وقد سئل العلامة عز الدين بن عبد السلام عن ابن العربي وكان يطعن فيه ويقول هو زنديق، فقال هو القطب، فقال لم تطعن فيه، فقال لا أخون ظاهر الشرع، أي أنه كان يرى منه ما يخالف الشرع ظاهرا فيطعن فيه من هذه الجهة.
راجع تفسير الآية 42 من سورة والنجم، ومن هذا القبيل كان اعتراض موسى عليه السلام على الخضر.
راجع الآية 65 فما بعدها من سورة الكهف في ج 2، ولهذا البحث صلة في تفسير الآية 27 من سورة الزمر في ج 2.
هذا، وقد ذهب الشيخ ابراهيم الكوراني إلى أنه عليه السلام رأى ربه سبحانه حقيقة قبل الصعق فصعق لذلك كما دكّ الجبل عند التجلي، واستدل بما أخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: لما تجلى اللّه لموسى عليه السلام كان يبصر دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء من مسيرة عشرة فراسخ، وبما أخرجه عن أبي معشر أنه قال: مكث موسى عليه السلام أربعين ليلة لا ينظر إليه أحد إلا مات من نور رب العالمين، وجمع بين هذا وبين قوله صلّى اللّه عليه وسلم إن اللّه أعطى موسى الكلام وأعطاني الرؤية وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود.
بأن الرؤية التي أعطاها لنبينا صلّى اللّه عليه وسلم هي الرؤية مع الثبات والبقاء من غير صعق، كما أن الكلام الذي إعطاء لموسى كذلك بخلاف رؤية موسى فإنها لم تجتمع له مع البقاء، وعلى هذا فمعنى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الدجال أنه لن يرى أحدكم ربه حتى يموت، هو أن أحدا لا يراه في الدنيا مع البقاء ولا يجمع له في الدنيا بينهما، ولهذا قال عيسى عليه السلام: لن يلج ملكوت السموات من لم يولد مرتين، أي بعد أن يصل إلى درجة الأبرار فتموت نفسه فتنقل إلى رتبة المقربين فتحيا بها فيرى أن ما كان منه في الدرجة الأولى خطأ ينبغي الاستغفار منه والتوبة عن مثله، لما هو من العمل الذي ولد عليه في رتبة المقربين.
ولهذا قالوا حسنات الأبرار سيئات المقربين، هذا واللّه أعلم.
واعلم أن الذاهبين إلى عدم الرؤية مطلقا، وهو ما ذهبت إليه يجيبون عما ذكر في حديث أبي هريرة وخبر أبي معشر المارين آنفا، بأن الثاني ليس فيه أكثر من اثبات سطوع نور اللّه تعالى على وجه موسى وليس في ذلك إثبات الرؤية لجواز أن يشرق نور منه تعالى على وجهه عليه السلام في غير رؤية، إذ لا تلازم بين الرؤية وإشراق النور، وبأن الأول ليس نصا في ثبوت الرؤية المطلوبة له عليه السلام، لأنها كما قال غير واحد عبارة عن التجلي الذاتي وللّه تجليات شتى غير ذلك، فلعل التجلي الذي أشار إليه الحديث على تقدير صحته واحد منها وقد يقطع بذلك، فإنه سبحانه تجلى عليه بكلامه واصطفائه وقرب منه على الوجه الخاص اللائق به، ولا يبعد أن يكون هذا سببا لذلك الابصار، وهذا أولى مما قيل إن اللام في لموسى للتعليل، ومتعلق تجلى محذوف، أي لما تجلى اللّه للجبل لأجل إرشاد موسى كان عليه السلام يبصر بسبب إشراق بعض أنواره تعالى عليه حين التجلي للجبل ما يبصر، وهذا الحق الذي لا محيص عنه.
أما الزمحشري فقد بالغ في عدم إمكان الرؤية وأصر على أنّ لن للتأييد ولدوام النفي وتأكيده، وقال إن قول موسى {تبت إليك} دليل على خطأه بسؤال الرؤية، وقال في كشافه أعجب من المتسمين بالإسلام المسميين بأهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهبا، ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة أي قولهم إن اللّه تعالى يرى بلا كيفية مثل الحوقلة والبسملة والصلعمة وغيرها فإنه من مصنوعات أشياخهم والقول ما قاله بعض العدلية فيهم:
وجماعة سموا هواهم سنة ** وجماعة حمر لعمري مؤكفه

قد شبهوه بخلقه فتخوفوا ** شنع الورى فتستروا بالبلكفه

ويريد بهذا هو وجماعته ومن تابعهم من المعتزلة نفي الرؤية لسيدنا محمد صلّى اللّه عليه وسلم ليلة الإسراء المجمع عليها، لأنه من غلاة منكريها والتشنيع على القائلين بها، وقد رد على قولهم هذا تاج الدين السبكي رحمه اللّه بقوله:
عجبا لقوم ظالمين تلقبوا ** بالعدل ما فيهم لعمري معرفة

قد جاءهم من حيث لا يدرونه ** تعطيل ذات اللّه مع نفي الصفة

وتلقّبوا عدلية قلنا نعم ** عدلوا بربهم فحسبهم سفه

وقال صاحب مبدأ الأمالي:
يراه المؤمنون بغير كيف ** وإدراك وضرب من مثال

فينسون النعيم إذا رأوه ** فيا خسران أهل الاعتزال

أي من نعمة الرؤية لأن جزاءهم حرمانها، قال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ} أي بعد ذهابه للمناجاة وتخليف أخيه هارون عليهم مدة غيابه {مِنْ حُلِيِّهِمْ} جمع حلي كندى وهو ما يتزين به من الذهب والفضة والجواهر {عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ} صياح صوت كصوت البقر.

.مطلب أصوات الحيوانات وقصة العجل:

حيث يسمى خوارا، كالثغاء للغنم، واليعار للمعز، والينيب للنيس، والنباح للكلب، والسحيل.
والنهيق للحمار، والزئير للأسد، والعواء والوعوعة للذئب، والضباح للثعلب، والصنّى للفيل، والثغيم للضبي، والقباع للخنزير، والمواء للهرة، والصهيل والضبح والقنع والحمحمة للخيل، والرغاء للناقة، والضغيب للأرنب، والعرار للظليم ذكر النعام، والعرمرة للبازي، والغقغقة للصقر، والصفير للنسر، والهديل للحمام، والسجيع للقمري، والسقسقة للعصفور، والنعيق والنعيب للغراب، والصقاع والزقاء للديك، والقوقاء والنقنقة للدجاج، والفحيح للحية، والنقيق للضفدع، والصّئيّ للعقرب وللفأر، والصرير للجراد، إلى غير ذلك.
وقرأ عليّ كرم اللّه وجهه جوار بجيم مضمومة وهمزة، وهو الصوت الشديد كالصياح والصراخ، وهي تصحيف خوار بلا زيادة في الحروف.
وخلاصة القصة أن بني إسرائيل كانوا استعاروا حلي القبط ليتزينوا به في عيدهم وذهبوا مع موسى إلى البحر قبل أن يردّوه إليهم، وقد هلك القبط في البحر حينما تبعوهم ونجوهم منه وبقي حليهم عندهم فصار ملكا لهم، لأن الاستيلاء على مال الكفّار يوجب زوال ملكيته عنهم وصيرورته ملكا للمتولى عليه، لذلك نسبه اللّه إليهم، وهذا مما هو موافق لشريعتنا من شريعة موسى عليه السلام إذا كان لا يعد من الغنائم الحربية لأنها لم تحل لبني إسرائيل ومن شريعتهم حرقها، أما في شريعتنا فهي حلال ومن خصائص الأمة المحمدية الخمس المختص بحضرة الرسول الآتي بيانه في الآية 158 الآتية، ولما مر على ذهاب موسى عليه السلام ثلاثون يوما ولم يعد إليهم ولم يعلموا أن اللّه زاده عشرة أيام أخر ويعلمون أن موسى لا يخلف وعده، وكان السامري من قوم موسى منافقا وكان رجلا حاذقا وهو كما قيل رباه جبريل عليه السلام واسمه موسى أيضا وفيه وفي موسى عليه السلام قال القائل:
إذا المرء لم يخلق سعيدا تحيرت ** عقول مربيه وخاب المؤمل

فموسى الذي رباه جبريل كافر ** وموسى الذي رباه فرعون مرسل

وكان يرى جبريل عليه السلام ويرى أن حافر فرسه كلما وطىء شيئا اخضرّ فعرف المغزى من ذلك وهو إحياء الأرض الميتة بوطىء حافر فرسه فأخذ شيئا من تراب أثر فرسه واحتفظ فيه، وكان مطاعا في بني إسرائيل فوسوس إليه الشيطان أن يصنع صنما لهم فكلفهم بإحضار الحلي الذي استعاروه من القبط بداعي أنه لا يجوز لهم أخذه، فأحضروه له فصاغه عجلا وأخرج ذلك التراب فوضعه في هيكل العجل فصار له صراخ كصراخ العجل، فقال لهم هذا هو الإله الذي قصده موسى قد نسيه هنا، لأن المدة المعينة مضت ولم يحضر وأغراهم بذلك وأمرهم بعبادته، وصاروا كلما صاح سجدوا له.
وهذا الذي خطر على قلب موسى في توصية أخيه وخوفه على بني إسرائيل الضلال.
قيل إن تصويته كان يحصل من أنابيب صاغها في بطنه وكلما دخل فيها الهواء صوتت، والأول أصح على القول بأنه وضعت فيه حياة خاصة بسبب التراب المار ذكره، والثاني أجدر بالقبول للعقول لما للهواء من التأثير في المكونات التي اطلع عليها البشر، وخاصة أهل هذا الزمن والعجل لولد البقر خاصة، ولولد الناقة حرار، والفرس مهر، والحمار جحش، والشاة حمل، والمعزى جدي، والأسد شبل، والفيل دغفل، والكلب جرو، والظبي خشف، والأرنب خرنق، ويضرب فيه المثل بالنعومة قال:
إذا العجوز غضبت فطلق ** ولا ترضّاها ولا تملق

واعمد لأخرى ذات دلّ مونق ** ليّنة اللمس كمس الخرنق